كتب / محمد الخولي
القسطنطينية هي عاصمة الدولة الرومانية الشرقية ( البيزنطية)، التي بناها الإمبراطور قسطنطين الكبير، وحينما أشرقت الارض بنور الإسلام كانت الدولة البيزنطية ومقرها القسطنطينية أشد الدول عداءاً للدين الجديد، ومنذ اللحظة الأولى بدأ الصراع بين البيزنطيين والمسلمين، فأنتصر المسلمون في مصر والشام، وحولوا هذه البلدان إلى ولايات إسلامية، وخلال عدة سنوات، اختلفت موازين القوى، وأصبحت القوى بيد المسلمين، ومن ثمّ البيزنطيون الذين كانوا يهجموا على ديار الإسلام البارحة، أصبحوا يدافعون عن ديارهم من المسلمين.
خلال سنوات قليلة أصبح المسلمون بفضل الله يغزون ديار البيزنطيين، ومن ثمّ كان هناك حلماً يراود خيال المسلمين في دخول مدينة القسطنطينية معقل الدولة البيزنطية.
المحاولة الأولى
فكانت حملات الجيوش الإسلامية لفتح المدينة، وقد بدأت أولى هذه المحاولات عام ٤٩ ه الموافق ٦٤٩م، حينما جهز الخليفة معاوية بن أبي سفيان حملة كبيرة، ضمت العديد من كبار الصحابة والتابعين، وكانت القيادة العامة للجيش ليزيد بن معاوية، وخلال هذا الحصار حدثت عدة مناوشات واشتباكات بين الطرفين، ونتيجة لعدم استطاعة المسلمين فتح المدينة تم رفع الحصار، وعاد الجيش الإسلامي.
المحاولة الثانية
وفي عام ٥٤ه الموافق ٦٧٥م، أرسل الخليفة معاوية بن أبي سفيان حملة جديد؛ لفتح المدينة، كما طوع الخليفة الأسطول الإسلامي لخدمة أهداف الحملة، الأسطول الذي استطاع الإستيلاء على جزيرة أرواد، التي اتخذها المسلمون كقاعدة انطلاق.
وكانت مدينة القسطنطينية الحصينة لديها القدرة على الصمود في وجه المسلمين طيلة ست سنوات، ومن ثم فشل الحصار للمرة الثانية.
محاولة سليمان بن عبد الملك
كانت المحاولة الثانية للمسلمين عام ٩٨ه الموافق ٧١٧م، في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك، فقد قرر الخليفة سليمان إرسال جيش لغزو آسيا الصغرى ( الأناضول) وحصار عاصمة البيزنطيين؛ من أجل فتحها وجعلها قاعدة إسلامية.
وكانت قيادة هذه الحملة للقائد مسلمة بن عبد الملك، الذي ضرب الحصار حول المدينة من البر والبحر، حاول مسلمة في أكثر من مرة اقتحام المدينة، وشدد عليها الضربات بالمجانيق، ولكن أسوار القسطنطينية كان لها رأي آخر، كان مسلمة شديد التصميم على اقتحام المدينة، ولكن دون جدوى، ثم طال حصار المدينة، وكاد البرد القارس أن يفتك بجنود المسلمين، حتى تولى الخلافة في دمشق الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي أمر بفك الحصار عن المدينة وعودة الجيش.
محاولة هارون الرشيد في عصر الدولة العباسية
وبعد سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين، أصبح أمر المسلمين بيد العباسيين، وتولوا هم عمليات الغزو والجهاد، وبدأت الحروب والمناوشات مع البيزنطيين؛ من أجل إعادة الهيبة للمسلمين من جديد.
وكانت المحاولة الرابعة لفتح المدينة عام ١٦٥ه الموافق ٧٨٢م، حينما أرسل الخليفة العباسي محمد المهدي ابنه هارون على رأس جيش كبير؛ من أجل غزو آسيا الصغرى، وحقق هارون انتصارات عديدة، وواصل تقدمه حتى وصل مضيق القسطنطينية، وضرب الحصار على المدينة، وعندما طال الحصار، طلب البيزنطيين عقد الصلح، فكان الصلح بين الطرفين، وعقدوا هدنة، ونتيجة لذلك تم فك الحصار عن المدينة.
محاولات العثمانيين في عهد بايزيد الصاعقة
وبعد حوالي ما يقرب من ستة قرون من الزمن، بدأت محاولات المسلمين للسيطرة على المدينة العريقة تعود، ففي عام ١٢٩٩ أنشأ عثمان بن أرطغرل الإمارة العثمانية في غرب الأناضول، وتحولت هذه الإمارة من مجرد إمارة حدودية صغيرة إلى دولة كبيرة، فبدأ عثمان وخلفائه في التوسع والسيطرة على أملاك الدولة البيزنطية المتهالكة.
حتى أتى عام ٧٩٣ ه الموافق ١٣٩١م، في عصر السلطان العثماني بايزيد الأول المعروف بالصاعقة، فقد قاد هذا السلطان جيشاً لحصار مدينة القسطنطينية، ولم يكن السلطان بايزيد هدفه الأساسي فتح المدينة، بل كان هدفه فرض سيطرته وسلطته على الإمبراطور البيزنطي الجديد مانويل الثاني، فعندما قبل الأخير شروط بايزيد، قام بايزيد على الفور بفك الحصار عن المدينة، كما حاول بازيد محاولة أخرى من أجل فتح المدينة عام ٨٠٤ ه الموافق ١٤٠٢ م، ولكن باءت بالفشل هي الأخرى.
محاولة الأمير موسى ومحاولة مراد الثاني
حوصرت المدينة في عام ٨١٤ه الموافق ١٤١١م، على يد الأمير موسى بن بايزيد، ولكنه فشل في فتحها، وفي عام ٨٢٥ه الموافق ١٤٢٣م، تحرك السلطان مراد الثاني على رأس جيش كبير؛ آملاً في دخول عاصمة البيزنطيين، وقد طال حصار المدينة فوق الأربعة أشهر دون جدوى، واضطر السلطان لرفع الحصار؛ بسبب تمرد أخيه الصغير الأمير مصطفى.
المحاولة الأخيرة التي كُللت بالنجاح
مع فشل المسلمون في دخول هذه المدينة، إلا أنهم كانوا على يقين أنهم سيفتحوها يوما ما، وانتظر الجميع حتى اعتلى الشاب محمد بن مراد العرش العثماني للمرة الثانية عام ٨٥٥ه الموافق ١٤٥١م، وضع محمد الفاتح صوب عينيه حلم السيطرة على مدينة القسطنطينية، وكان كل همه دخول هذه المدينة، فعمل جاهداً من أجل فتحها.
جهز السلطان محمد جيشاً ضخماً، وخرج على رأس هذا الجيش عام ٨٥٧ه الموافق ١٤٥٣م، وضرب الحصار على المدينة، وأقسم أنه لن يبرح مكانه حتى يفتحها، وبالفعل نجح محمد الفاتح في دخول المدينة في ٣١ جمادى الأولى عام ٨٥٧ ه الموافق ٣٠ مايو ١٤٥٣م، وبهذا قد يكون تحقق حلم المسلمين في السيطرة على هذه المدينة، وغير السلطان محمد إسم المدينة إلى اسلامبول التي حُرفت فيما بعد إلى إسطنبول أشهر المدن التركية حالياً.