recent
أخبار ساخنة

إيكو و النرجسيّة





بقلم / دعاء بركات


 

مقال اليوم عن أسطورة في المثولوجيا الإغريقية وهي أسطورة إيكو (Echo) ونركسيوس(νάρκισσος) .

تقول الأسطورة أن إله النار عندما خرج من كهفه تزوج من بشرية فأنجبت له صبي أسماه "نركسيوس"، يقال أن إله النار كان مشوهاً وكانت الآلهة تتجنب الإقتراب منه لبشاعة مظهره، لذلك قرر أن يكون إبنه على عكسه، فوهبه جمال أفروديت (آلهة الحب).
نركسيوس أصبح لديه العديد من الأصدقاء لجماله الشديد ومظهره الجذاب ، والفتيات أعجبن به كثيراً وإلتف حوله البشر آملين أن يكونوا من أتباعه ، وهذا ما جعل نركسيوس مغروراً شديد الفخر بنفسه ومتعالي على الجميع، ومع ذلك حاول الكل الإقتراب منه والإلتصاق به .
وفي نفس الوقت كان هناك فتاة جميلة جداً تسكن في الهضاب، صوتها عذب وكلامها معسول تجعل كل من يسمعها لا يمل منها أبداً هذه الفتاة كانت تدعىٰ إيكو (eco) .
عندما سمعها زيوس (كبير الآلهة) لأول مرة أعجبته جداً وأصبح يتغزل بها وبجمالها وصوتها العذب ، ولكن إيكو كعادتها تجاهلته ولم تعطه أي أهمية .
وعندما علمت هيرا زوجة زيوس بما فعله زوجها ، هبطت على الأرض وأخذت تبحث عنه، وعندما إقتربت من إيكو سألتها عن زوجها زيوس، فأخبرتها أيكو أنها لم ترى زوجها أبداً. 
أعجبت هيرا بكلام إيكو وأخذت تتحدث معها لفتره طويلة ، وأثناء حديثها رأت زوجها زيوس يهرب من خلف الجبل، فعاقبت هيرا إيكو من نفس جزاء عملها، ومنعت عنها حلاوة صوتها والقدرة على الكلام، فكانت أيكو عندما تتكلم مع أحد تردد آخر كلمة قالها فقط ولا تستطيع أن تتحدث بأي كلمة أخرى .

وذات مرة رأت إيكو نركسيوس فأغرمت به وعشقته ولكنها لم تخبره بذلك أبداً ، وعندما سحرتها هيرا وأفقدتها قدرتها على الكلام كانت تود الإنتحار، لولا أنها رأت نركسيوس من بعيد هو وأصدقائه في رحلة صيد .
وأخذت تراقبه كالعادة من بعيد من دون أن تتحدث معه أو تقترب حتى منه، ومن دون أن يشعر ضلَّ طريقه في الهضاب عندما كان يطارد غزالاً، وبدأ يشعر بالجوع والعطش وأحس أن حياته أوشكت على الإنتهاء وأخذ ينادي على أصدقاؤه في يأس شديد : "يا أصدقاء.. أين أنتم ؟.. أنا تائه " فترد إيكو من فوق الهضبة "تائه.. تائه. "
بدأ نركسيوس يشعر أن هناك شخص آخر غيره في المكان فيصيح من جديد :
"يا صديقي أين أنت؟" فترد إيكو "أين أنت؟"
فيظن أن أصدقاؤه يسمعونه ويبحثون عنه :
" أنا هنا بجوار البحيرة".. فترد إيكو "البحيرة"
فيقول هو " أهناك من يسمعني؟" ترد هي "يسمعني؟"
هبطت إيكو وإقتربت منه لكي تعبرله عن حبها وتنقذه .. وعندما رآها قال لها :
" من أنتِ؟ فترد "أنتِ؟"
"أنا تائه.. أتوسلك" فردت "أتوسلك"
بدأ يتكلم بغروره المعتاد مرة أخرى:
" لا تقتربي مني" فترد هي "مني"
" لا أريدك" فترد "أريدك"
" أنا لا أحتاجك" فترد هي "أحتاجك"
وبمجرد أن إقتربت منه هرب منها وتركها تسقط على الصخرة التي كان يجلس عليها.
فقدت إيكو أملها في نركسيوس والحياة ، وأصبحت تسكن الهضاب والكهوف، وبدأ جسدها يتحول إلى رماد وعظامها تتحول إلى صخور، ولم يتبقى منها سوى صوتها.
وإلى الآن أصبح "صدى الصوت" بالأغريقي واللاتيني معناها إيكو ( ECO) .

عندما علمت أفروديت بما حدث لإيكو وعقابها الذي تلقته من هيرا وما فعله معها ذلك الشاب المغرور الذي يدعى نركسيوس ، قررت أن تعاقبه جزاء فعلتهُ .
وذات يوم رأى نركسيوس بحيرة جميلة، لم يقترب منها أي حيوان أو طائر أو يلمسها بشر، فذهب بالقرب منها ليشرب، وإذا بحورية جميلة جداً تظهر صورتها في البحيرة ليقع نركسيوس بحبها من أول نظرة، وعندما إقترب منها رآها تقترب منه وبمجرد أن لمسها إختفت .
وهذا كان عذاب نركسيوس أن يحب الحورية التي من المستحيل الوصول إليها ، فأخذ يبكي ودموعه تلوث البحيرة ويحاول الوصول للحورية ولا يستطيع، وما كانت الحورية إلا إنعكاس لصورته على مياه البحيرة ، فكان عقابه أن يحب نفسه ونفسه لا تحبه .
وإستمر هذا العذاب إلى أن سقط في البحيرة ذات مرة وهو يتأمل في محبوبته (نفسه) وظهرت روحه بجوار البحيرة في هيئة وردة النرجس .
وإلى الآن النارسيزم (narcissism) "النرجسية" تعبر عن حب الشخص الزائد لنفسه.
google-playkhamsatmostaqltradent