بقلم د. / الشيماء حمدى إسماعيل
في الآونة الأخيرة، صرنا نسمع مصطلح التحول الرقمي او الرقمنة كثيرا نتيجة التطور التكنولوجي الكبير واندماجه في العديد من المجالات المختلفة كالتعليم والصحة والصناعة والتجارة وإدارة وغيرها. فاستخدام التكنولوجيا بشكل صحيح يزيد من القدرة الإنتاجية لأي نظام ويقلل التكاليف ويحقق الأهداف بكفاءة أكبر. لذلك، أصبحت الرقمنة أحد اهم محفزات النمو في القطاعات الحكومية والمؤسسية الكبيرة مما خلق منافسة شديدة لتطوير حلول ذكية تضمن بقاءها وتطورها.
الرقمنة او التحول الرقمي في ابسط صوره هو تغيير نظام العمل في أي مؤسسة حكومية او خاصة وبغض النظر عن مجالها من نظام عمل تقليدي بطيء يعتمد بشكل أساسي على البشر الى نظام عمل يرتكز على التكنولوجيا والحلول الرقمية الحديثة. عندما نتحدث عن دمج التكنولوجيا في مجالات العمل المختلفة فإننا نقصد استخدام أحدث التقنيات في كافة مراحل العمل ومن أشهر تلك التقنيات والتي أحدثت ثورة في مجتمعاتنا مؤخرا:
اولا: تطبيقات الموبايل والتي من خلالها نستطيع التواصل رقميا والحصول على كافة الخدمات والقيام بعمليات الشراء والدفع الإلكتروني.
ثانيا: الذكاء الاصطناعي حيث أنه يمثل أهم التقنيات المستخدمة في عملية الربط والتكامل بين جميع القطاعات الكترونيا.
ثالثا: إنترنت الأشياء والذي يعبر عن اتصال كافة أنواع الأجهزة الالكترونية بالأنترنت وإمكانية التبليغ عن أعمالها وكيفية معالجتها.
رابعا: الحوسبة السحابية والتي من خلالها نستطيع القيام بجميع الأعمال في أي وقت ومن أي مكان والاحتفاظ بكافة البيانات على الانترنت.
خامسا: البيانات الضخمة وهي الكم الهائل من البيانات الموجودة بشكل يومي على شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام وكيفية تجميعها وتحليلها ومعالجتها وتأمينها.
سادسا: البلوك تشين وهي تقنية حديثة تقوم عليها العديد من العملات الرقمية وتمثل الدفتر الإلكتروني الخاص بالعملات الرقمية.
سابعا: تطبيقات التواصل الاجتماعي، وهي العامل الأساسي في توسع السوق الإلكترونية لوجود أكبر شريحة من العملاء بها.
ثامنا: شبكات الكومبيوتر وهي الاساس في ترابط جميع الأنظمة مع بعضها.
تاسعا: الانترنت حيث يعتبر الأهم للحصول على كافة الخدمات.
وقد أطلقت الحكومة المصرية الرشيدة منظومة التحول الرقمي اعتباراً من بداية أغسطس ٢٠١٩ التي يتم عن طريقها إتاحة عددٍ من الخدمات المختلفة المقدمة للمواطنين إلكترونياً، تأكيدا أن تلك المنظومة ستُحدث نقلة نوعية في مجال توفير الخدمات للمواطنين في مختلف القطاعات، وهو ما سيُسهم في تيسير الإجراءات وتحسين مستوى تقديم هذه الخدمات، ما جعل مصر من أوائل الدول العربية سبقا للتحول الرقمي ووضعها على الخريطة العالمية للتحول الرقمي ومما سيساهم أيضا في تهيئة البيئة المناسبة للثورة الصناعية الحديثة التي يشهدها العالم.
الحاضر ما هو الا امتداد للماضي، وبينهما الكثير لنتعلمه. ولندرك التأثير الكبير لهذا التحول الرقمي على مستقبلنا الصناعي، حري بنا ان نلقي نظرة الفترة التي توجه فيها مجتمعنا الى النهضة الصناعية. في اواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كانت فترة التغيير التي تحوِّل فيها المجتمع الزراعي إلى مجتمع صناعي، وتباعا تمت هيكلة النظام الاقتصادي. بين آلة تغزل النسيج وبين آلة تعدن النقود، كان يوجد العديد من التغييرات، منها مزارع يجمع المال من أجل جرار زراعي يساعده في عمله ويوفر له الوقت والجهد، ومزارع أخر يوفر المال من أجل نظام زراعي ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في الري واكتشاف الآفات الزراعية، ومنها احد رجال الاعمال الذى يسعى لاعتلاء القمة الصناعية عن طريق التجسس الصناعي وأخر يسعى في الخفاء لجني الأرباح من جمع البيانات عن طريق التجسس الرقمي.
لقد ساهم التحول الرقمي في اختصار الوقت وخفض التكلفة وتحقيق مرونة وكفاءة أكثر في العملية الإنتاجية وساعد في اتساع نطاق التغيير والتطوير وحدوث تحولات غير مسبوقة في الاقتصاد وسوق العمل وقطاعات الأعمال ودمج التكنولوجيا الرقمية في كافة قطاعات الأعمال داخل كل المؤسسات في الدولة. بسبب التحول الرقمي الحالي نحن على مشارف ثورة صناعية رقمية جديدة وهي ما تعرف بالثورة الصناعية الرابعة حيث يتم فيها دمج التقنيات التي ذكرناها في مراحل الصناعة المختلفة. مع هذا التحول أصبح حتميا على المصانع ومؤسساتها توظيف ما يمكنها من تلك الحلول في مراحل انتاجها المختلفة لتزدهر في البيئة الصناعية الرقمية الحديثة وتمثل هذه المرحلة في الواقع فرصة للعديد من الناشئين وكذلك تحديا للمصانع الحالية لتتكيف مع النموذج الصناعي الرقمي فهم بحاجة الى تحديد رؤية جديدة واختيارات رقمية متعددة يجب اختيار المناسب منها وأخيرا وضع نظام جديد يستوعب هذه التغييرات وينظمها. لقد ساهم التحول الرقمي في إنشاد مدن صناعية حديثة بها مصانع ذكية ومتطورة سيتم ربطها بالأنترنت وفي تلك المصانع والمؤسسات التي تديرها تستخدم برامج وتقنيات ذكية لدعم عملية التصنيع والإنتاج والإدارة مما ساهم في سهولة إدارة المصانع والمؤسسات عن بعد والوصول للبيانات وتقديم العروض والحصول على التقارير والاحصائيات بسهولة.
تعد الثورة الصناعية الرابعة نواة لمستقبل واعد للكثير من القطاعات كالتجارة والصناعة والطب وبالأخص الاعمال الحرة التي ستزدهر كلما زاد الاعتماد على التكنولوجيا التي تخلق بدورها فرص متعددة لأصحاب المهارات وكذلك فرصا استثمارية لرواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة. وبالعودة للزمن قليلاً، فإن كل ثورة صناعية قد ارتكزت على عنصر أساسي لبناء تلك المرحلة، فالثورة الصناعية الأولى بدأت عام ١٧٨٤م وارتكزت على الادوات الميكانيكية والبخار في تشغيل المصانع وسكك الحديد وخلقت ثورة كبيرة في الإنتاج ونقل البضائع، بينما بدأت الثورة الصناعية الثانية عام ١٨٧٠م ولكنها اعتمدت على الكهرباء، في حي بدأت الثورة الصناعية الثالثة عام ١٩٦٩م وكان ركيزتها الكمبيوتر وتقنية المعلومات وخطوط الانتاج الألية (وليست الذكية). نحن الان