recent
أخبار ساخنة

بدايتي في الكاتبة هي بداية للتفكير

الصفحة الرئيسية






كتب / احمد عزت 




إن ما يتعلمه الإنسان من غيره قبل مرحلة اكتشاف الحقائق و البحث عنها بمفرده و نقدها و تجريدها من ثوب الحقيقة المطلقة هو بمثابة اعتقال حقيقي للعقل و اهمال دوره و جعله مجرد وعاء للتلقين


. و انطلاقا من هذا قمت ككاتب بشق الطريق نحو معرفة الحقيقة بالإعتماد على التفكير الحر و اسقاط كل ما أصل له من معارف على المنطق و الواقع. فإن التشكيك في كل ما نتعلمه هو بداية لطريق مختصر نحو الحقيقة النسبية التي بدورها تقربنا للحقيقة المطلقة التي لم نصل لها فأي علم من العلوم، و هذا ما يجعل الإنسان دائما يشعر بنقص في تلك الحقائق. و أن هناك حلقة مفقودة قبل أن تكتمل السلسلة المشكلة لما نود الوصول إليه، فالله عز وجل جعل كل الخلائق ناقصة و هذا أصل التدبر و التفكر، و ليبقى العقل دائما منشغلا بالبحث و ساعيا وراء ذلك النقص، فعند أول انطلاقة لي في عالم الكتابة و التدوين جعلت قضية المجتمع و مشاكله جسرا للعبور لضفة أجد فيها برا للأمان، و لأضع كل قارئ لكتبي أمام أفكار ربما تكون جديدة على عقله و لأول مرة سأجعله يفكر مثلي أو على الأقل أجعله يفكر فقط، فمشكلة المسلمين اليوم تكمن في الجمود الفكري و تقديس كل ما هو غريب عليها، و عدم اعمال العقل الذي أمرنا الله تعالى باستخدامه لإزالة الشكوك، فالعقل لا يهدأ حتى يعرف ما يجهله و يزيل الأخير باليقين الذي يصل له في النهاية، و كم هي كثيرة تلك الأكاذيب التي ساقت عقولنا نحو قبرها. و من بين الأكاذيب المسوقة للبشرية هي أن عالمنا اليوم قائم على العدل و الخير، أكذوبة نسفتها أنوار الحقيقة التي لا يراها إلا من تجرد من الأوهام و حرر عقله ولم يتبع قطيع اليوم، فجميع كتبي تتناول خداع الأقواء و من لها مكر الثعالب و دهاء الذئاب، و على رأس كتبي رواية من ألوم يا أبي التي تكلمت عن موضوع رئيسي ألا هو مسخ العقول و توحيد فكرها أو بمصطلح آخر غسل العقول و قتل كل فكرة أو طريق تقود لدحص الأكاذيب التي زرعت باتقان و حذر شديد في تلك العقول السوداء المعتقلة و الضائعة في دهاليز الظلام و عتمة الأوهام، رواية من ألوم يا أبي ليست كأي رواية فهي من رسمت طريق خلاص شعب مملكة الهرم الملعون بعدما حط الظلام رحاله فيها، و أسدلت الستار على عقود من الظلم و الإضطهاد و التسلط و الفكر الدوغمائي القاتل لكل عقل يعشق الحرية و التي تعد هبة الله للبشرية و للكئنات و أخطر من اعتقال الجسد هو اعتقال الفكر و الرأي و العقل، ولا يزول ذلك الاعتقال الا باعمال العقل و لا تتكسر المعتقلات إلا بالفكر و محاربة الجهل، فأي دارس للتاريخ يعلم أن المستعمر و المحتل للأرض أول شيء قام به هو تجهيل الناس و زرع فيهم الوهم و يعلم أيضا أن من حرر تلك الأرض قام بتحرير عقله أولا، فخلاص أمتنا ليس باتباع أفكار الغرب بل بالتخلص منها و تحرير عقول الشباب من معتقلات الجهل التي أدت به إلى العبودية و نكران الذات
و التملص من واجباته اتجاه ماضيه و حاضره و مستقبله، و بالعودة لتفسير رواية من ألوم يا أبي نجد الملك جوسي لم يكن فقط ظالما بقدر ما هو حذر، فقد تخلص من وزيره الذي كان يود كشف كل المخططات التي تحاك لشعبه، فالوزير كان عقلا يفكر لا يخدع بسهولة ولا يقبل الكلام الذي يسمعه إلا اذا توافق مع المنطق و كان قريبا للحقيقة، فتلك البلاد كي تخرج مما هي عليه كانت تحتاج فقط لشعب يفكر ولا يخاف، فعملت مدارس المسخ على تخويف النشأ و برمجة عقله على الخضوع و الانصياع دون ابداء رأيه في كل ما يتلقاه من أولئك المعلمين...  
و استمرت المملكة تسيير على هذا النحو تتخبط فيها تلك العقول الممسوخة بين العبودية و بين الأجساد التي حكمت بالنار و الحديد
إلى أن جاء ياو ابن الوزير ليخلص شعبه و الضعفاء من أصفاد الظلم و يخرجهم من أوحال البؤس، لقد كان شجاع القلب قويا بعقله، وضع هدفا نصب عينيه فسار على الدرب ليصل إليه، تحدى كل شيء و لم يهب فقد كان نظره ثاقبا و حنكته في تسيير المخطات قلبت الموازين لصالحه و غيرت قواعد الحرب التي شنها، و انتشلته تلك التحديات من الخسارة و الضعف إلى القوة و كسب الحرب... الحرب التي كانت أمله الوحيد في تخليص رقاب الكثيرين من البشر بل الكثير من العقول.التي أسرها الجمود الفكري، ان حرب اليوم هي حرب عقول و حرب أفكار، و هذا ما لمسته عند قراءتي لكثير من الكتب، فالكاتب يعبر إلى حد بعيد عن أفكار صاحبه و يعتبر أيضا الواجهة الحقيقية له و النافذة المثالية للغوص داخل عقله، و البحث عما يجول داخله... و هذا ما أود ككاتب إيصاله للناس عبر مجموعة كتب ألفتها... فالذي قرأ جميع كتبي المتمثلة في رواية من ألوم يا أبي و رواية سأظل أحبك و كتاب أحضان قاسية يجد أنها تدور في فلك واحد، فلك الظلم و الإضطهاد الذي مورس ضد الضعفاء و الذين لم يملكون عقولا للمواجهة، ظلم طال أمده و انتقل من جيل لجيل و من ظالم لآخر، فقد ورث الضعفاء الألم و ورث الظالمون الظلم و الجباروت، و لم يجد أي ظالم على مر العصور مقاومة إلا من الذين يمتلكون فكرا حر، فكر غير الذي تلقوه من منظومة الظلم و الإستبداد، و طبعا الوقوف في وجه الظلم أو على الأقل عدم التصفيق له لن يمر مرور الكرام، و سيدفع كل من حمل راية الخلاص و مشى تحت لواء الخير ثمنا باهظا من أولئك الذي عاثوا في العقول فسادا، و عملوا على اخضاع كل شيء يواجههم، وكلما مر زمن و حل مكانه زمن تحل معهم أساليب جديدة لقمع أي مفكر ينتقدهم، و هذا ما لمسته أنا طيلة سنين كثيرة، و مع تعاظم الظلم صار الكاتب يتحاشى الغوص في شؤون المجتمع أو في الأمور السياسية خوفا من بطش حراسها ، و صار الذين يخوضون معارك الفكر قلة يعدون على الأصابع، و أنا أرى الغالبية من أولئك الذي يتبجح كل واحد منهم بالكتابة قد انصهروا و ذاب الجميع داخل وعاء الظلم، بل و صاروا شركاء فيه. 
  

فالكتابة بالنسبة لي رسالة نبيلة لا يوفق الجميع في حملها، و ان ادعوا ذلك فهذا لا يحجب دجلهم و دك رؤوسهم كالنعام في التراب، فالكاتب الذي لا يجعل قضية الإنسانية نصب أعينه أراه كاتبا ناقصا.

google-playkhamsatmostaqltradent